أعلنت شركة الأدوية البريطانية العملاقة جي إس كي، أنها وافقت على تسوية دعوى قضائية أميركية تتعلق باحتمال تسبب عقار “زانتاك” الذي توقفت عن إنتاجه في الإصابة بمرض السرطان، مما حال دون وصول أول دعوى بهذا الشأن لساحات القضاء الشهر المقبل.
ومن ناحية اخرى قالت الشركة، إنها توصلت لاتفاق سري مع أحد سكان ولاية كاليفورنيا الأميركية الذي يقول إنه أصيب بسرطان المثانة بسبب تناول زانتاك، مشيرة إلى أن موافقتها على التسوية تعكس رغبتها في تجنب تشتيت جهودها في عملية مطولة للتقاضي.
ولم تعترف الشركة بأي مسؤولية، قائلة إنها ستدافع عن نفسها بضراوة في أي دعوى أخرى تتعلق بعقار “زانتاك”، وكان من المقرر أن تبدأ المحاكمة المتعلقة بتلك الدعوى في 24 يوليو، لتكون بمثابة أول اختبار لصمود صحة ما قيل عن ارتباط “زانتاك” بالإصابة بالسرطان.
وهناك عدد محدود من الدعاوى القضائية تتعلق بذات الأمر في كاليفورنيا، ونحو 78 ألف قضية في محكمة ولاية ديلاوير، وبعد إقراره عام 1983، أصبح “زانتاك” المستخدم لعلاج الحموضة وحرقة المعدة من أوائل الأدوية التي تتخطى مبيعاتها السنوية مليار دولار.
ورغم أن شركة الإنتاج الرئيسية جي إس كي، هي التي سوقت للعقار في الأصل، فقد باعته شركات أخرى عديدة من بينها “فايزر” و”بورينجر إنجلهايم” و”سانوفي”، إضافة إلى شركات الأدوية التي تنتج العقاقير بعد أن تسقط حقوق ملكيتها، حيث سوت “فايز” و”سانوفي” دعوى مماثلة من ذات المدعي في كاليفورنيا أواخر العام الماضي.
وتسببت مخاوف الدعاوى القضائية المطولة وما قد يترتب عليها من التعويضات في خسارة 40 مليار دولار من القيمة السوقية لشركات “جي إس كي” و”هاليون” التابعة لها و”فايزر” و”سانوفي” في أسبوع واحد تقريبا.
وعلى جانب اخر جاءت تسوية الجمعة بعد انتكاسة مُنيت بها “جي إس كي” في مارس، عندما رفض قاض في كاليفورنيا محاولة الشركة لإبقاء شهادة خبراء عن ارتباط العقار بالإصابة بالسرطان خارج المحاكمة.
كما حققت الشركات التي تواجه دعاوى قضائية لذات السبب نصرا كبيرا في ديسمبر، عندما رفض قاض اتحادي كل الدعاوى القضائية المرتبطة بـ”زانتاك” في محاكم اتحادية أميركية، وعددها نحو 50 ألفا، بعد أن رأى أن الآراء التي قدمها خبراء جاء بهم المدعون لربط “زانتاك” بالسرطان غير مدعومة بأدلة علمية.
وأوقفت شركات وصيدليات بيع زانتاك، في العام 2019، بسبب مخاوف من أن المكون الفعال الرئيسي فيه، وهو “رانتيدين”، الذي يتحلل بمرور الوقت ليشكل مكونا كيميائيا يسمى “إن دي إم إيه” أو “ثنائي ميثيل نتروزامين”، وهذا المكون موجود بمستويات منخفضة في بعض الأغذية والمياه، لكن أبحاثا خلصت إلى أن كميات كبيرة منه قد تسبب السرطان.
ومن ناحية اخرى سحبت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 2020 من الأسواق كل أدوية “زانتاك” المتبقية في الأسواق، وكل العقاقير المنتجة باستخدام نفس تركيبته، مما تسبب في رفع العديد من الدعاوى القضائية، بينما نفت الشركات المعنية مرارا احتمال تسبب “زانتاك” في الإصابة بمرض السرطان.
وقالت شركة سي في إس الأميركية للرعاية الصحية في 2019، إنها ستوقف مبيعات عقار زانتاك المشهور لعلاج حرقة المعدة، ومنتجات أخرى لها تحتوي على مادة رانيتيدين، في صيدلياتها بعدما اكتشفت إدارة الغذاء والدواء الأميركية وجود آثار لمادة مسرطنة معروفة في بعض من تلك العقاقير.
وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أعلنت هذا الشهر اكتشافها كميات ضئيلة من مادة مسرطنة مما يطلق عليه اسم (إن-نيتروسوديميثيلامين) في بعض الأقراص، كما اكتشفته في عدد من أدوية علاج ضغط الدم التي يتم استخدامها على نطاق واسع، مما تسبب في نقص هذه العقاقير.
واوضحت شركة سي في إس إن إجراء تعليق المبيعات احترازي في الوقت الذي تواصل في إدارة الغذاء والدواء الأميركية مراجعة ما إذا كانت المستويات المنخفضة من مادة (إن دي إم إيه) الموجودة في رانيتيدين، وهو المادة الفعالة في زانتاك، قد تشكل خطرا على صحة المرضى،أنتج علماء من جامعة جلاسكو دواء رانيتيدين (ranitidine) في العام 1979، وسجلت الشركة براءة اختراعه في الولايات المتحدة، ثم طوروا العقار تحت اسم زانتاك (Zantac) كعلاج للقرحة والحرقة وأصبح الأكثر مبيعاً في العالم بين الأدوية التي تتطلب وصفة.
واكتشف في العام 2019، أن به مستويات عالية من مادة يرجح أنها مسرطنة وظهر أن السمّ يسببه مكونه الفعال الأساسي: رانيتيدين، ومن ثم سحبت الشركة الصانعة والمنظمات الصحية حول العالم الدواء من الأسواق، وحظرته إدارة الغذاء والدواء تماماً في 2020، وبالتالي لم يعد يحق لأي شركة أن تصنعه ولا يُنصح أحد بتناوله.
وتبيّن أن المادة المسرطنة هي ثنائي ميثيل نتروزامين NDMA كانت تضاف فيما مضى إلى وقود الصواريخ، وهي تُستخدم الآن حصرياً لإصابة جرذان المختبرات بالسرطانات عمداً، وتم رفع أكثر من 70 ألف أميركي تناولوا زانتاك دعوى ضد الشركة أمام محاكم أميركية لبيعها دواءً يُحتمل أن يكون ملوثاً وخطراً
ورُبط بين المادة المسرطنة (NDMA)، وهي سائل أصفر بلا رائحة أو طعم يظهر قابل للاختلاط بالماء، وريط بينها وبين السرطان للمرّة الأولى في 1956، وتبيّن أن خطورتها الكبرى على الكبد.
وفي أحد الاختبارات التي أجريت في بريطانيا في 1981، تلقى 11 رجلاً يتمتعون بصحة جيدة 150 مليجراماً من رانيتيدين يومياً على مدى أربعة أسابيع. كان العلماء في “جلاكسو” يحاولون تبيان ما إذا كان استخدام رانيتيدين لفترات طويلة يؤثّر على البكتيريا المعوية، بالأخص التي قد تنتج مزيداً من النتريت، فتتيح تكوّن النتروزامين، ووجدوا أن رانيتيدين قد يتسبب بذلك فعلاً.
كتب العلماء في “جلاكسو” في خلاصة اطلعت عليها إدارة الغذاء والدواء لاحقاً أنه بالفعل يمكن لمستويات عالية من النتريت أن تؤدي إلى تكوّن مرَكبات نتروزامين التي تعدّ مسرطنة بكافة أنواعها تقريباً.