زراعة الاعضاء البشرية بين ثورة العلم وعلماء الفقة الاسلامى
تفاصيل مثيرة عن تبرع المشاهير بأعضائهم بعد الموت ولغط حول زراعة الاعضاء التناسلية
تقنيات حديثة لزراعة الانسجة والاعضاء من داخل المعامل البحثية للمرض
قضة شغلت الراى العام العالمى مؤخرا .. واثارت فضول الجماهير فى شتى أنحاء العالم وخاصة انها تهم قطاعات مريضة وتخص مستقبل الانسان ..
وهى زراعة الأعضاء البشرية، فى أواخر الأسبوع الماضي، انشغل الرأي العام فى المنطقة العربية بصفة عامة وفى المملكة العربية السعودية بصفة خاصة، بخبر عن تبرع رجل سعودي، بأعضاء نجله المتوفى إكلينيكيا، لستة أشخاص يعانون من أمراض خطيرة، ولا أمل فى علاجهم سوى بزراعة أعضاء جديدة بدلا من أعضائهم التالفة.
ومع انتشار الخبر على نطاق واسع من خلال مواقع السوشيال ميديا مثل فيس بوك وتويتر، انهالت التعليقات من النشطاء والمتابعين، الذين انقسموا بشكل كبير بين مؤيد ومعارض لتصرف الأب السعودي، فالبعض رأى أن ما قام به الرجل، أمر حسن مقبول، وأنه أسهم فى إنقاذ حياة ستة مرضى من موت محقق، وبذلك فقد أحيا تلك الأنفس وله جزاء وثواب عظيم عند الله.
البعض الآخر يرى أن الأب السعودي أخطأ عندما تبرع بأعضاء نجله المتوفى، وذلك استنادا إلى أن جسد الإنسان ملك لله وحده باعتباره خالقه، ولا يحق لأى شخص أن يتصرف فيه بالتبرع أو غيره.
المشاهير يتبرعون بأعضائهم بعد الموت
وإذا كان الأب السعودي، اتخذ قرارا اعتبره البعض قاسيا بحق نجله الراحل بتوزيع أعضائه على 6 أشخاص، فإن العديد من المشاهير أعلنوا تبرعهم بأعضائهم بعد الموت، وذلك إيمانا منهم بأن تلك الأعضاء فى حالة صلاحيتها للزراعة مرة أخرى، ستكون سببا فى إنقاذ حياة مريض وحماية أسرة بأكملها، ومن بين هؤلاء المشاهير، الفنانة إلهام شاهين التى أعلنت فى فيديو مصور تبرعها بأعضائها بعد الوفاة، لإنقاذ مريض من الموت.
وانضم إليها المنتج محمد العدل الذى أكد هو الآخر أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو عمل عظيم يسهم فى إنقاذ حياة إنسان، ولذلك قرر هو الآخر التبرع بأعضائه، كذلك أعلنت الفنانة ياسمين رحمى أنها ستوصى بالتبرع بأعضاء جسدها بعد الموت ليستفيد منها مريض.
واقعة تبرع الأب السعودي بأعضاء نجله المتوفى، أعادت من جديد، حالة الجدل الحاد التى أثيرت فى وقت سابق حول مشروعية التبرع بالأعضاء البشرية من الناحية الدينية، كما فتحت الباب للحديث مرة أخرى حول نوعية الأعضاء التى يمكن زراعتها، والأعضاء الأخرى غير القابلة للنقل، والقوانين المنظمة لعملية نقل الأعضاء البشرية، والشروط الواجب توافرها لعملية النقل من الناحية الطبية والقانونية.
رأى الدين فى زراعة الاعضاء
رأى الدين فى التبرع بالأعضاء البشرية، كان هو المحور الأبرز فى حالة الجدل الواسع التى أثيرت حول زراعة الأعضاء ونقلها من شخص حى أو متوفى إلى مريض، ودارت نقاشات واسعة حول ذلك الأمر بين بين رجال الدين، فمنهم من أيد نقل الأعضاء وراى أنه لا حرمانية فيها، وذلك استنادا إلى أن هذا الأمر يعتبر إحياء لنفس كانت على وشك الموت، وهو أمر مستحب فى الدين.. ومنهم من يقول بأن جسد الإنسان حيا وميتا ليس ملكا له، بل ملك لخالقه، وهو بذلك أمانة يجب أن ترد إلى خالقها كما هى عند الوفاة دون عبث بشرى من أى نوع.
دار الافتاء المصرية تدلى بدلوها..
من جانبها، حسمت دار الإفتاء المصرية، رأى الدين فى قضية نقل الأعضاء البشرية والتبرع بها، حيث قال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية فى فتوى له منشورة على الموقع الرسمى لدار الإفتاء.. حيث قال فى فتوى تحمل رقم “4782”: “العلاج بنقل وزرع عضوٍ بشريٍّ مِن متوفًّى إلى شخصٍ حيٍّ مُصَابٍ جائزٌ شرعًا إذا توافرت الشروط التي تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، وتنأى به عن أن يتحول إلى قطع غيار تباع وتشترى، ومن الشروط الأساسية في ذلك: تحقق موت المتبرِّع؛ بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفًا لا رجعة فيه؛ بحيث تكون روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة، ولا يقدح في صحة الموت الحركةُ الآليَّةُ لبعض الأعضاء بفعل أجهزة التنفس الصناعي ونحوها، وهذا التحقق إنما يكون بشهادة الأطباء العدول أهل المعرفة في فنهم الذي يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وما ذكره الفقهاء من علامات الموت -كاسترخاء الرجلين وغيره- مبني على الرصد والتتبع والاستقراء الطبي في أزمنتهم، وقد أثبت الطب الحديث أن هذه أعراضٌ للتوقف النهائي لجميع وظائف المخ والدماغ، فإذا استطاع الأطباء قياس هذا التوقف التام لوظائف المخ، وصار هذا القياس يقينيًّا عندهم بلا خلاف بينهم فيه: فإنه يُعَدُّ موتًا حقيقيًّا يجوز بعده نقل الأعضاء من الميت إلى الحي بشروطه”.
وهذا راى الازهر الشريف
أما الإمام الاكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر، فقد أصدر من جانبه فتوى حول نقل الأعضاء البشرية من شخص ميت إلى حي، ومن حي إلى حي، وشرح خلالها رأى الفقهاء فى هذه المسألة وشروط نقل الأعضاء، قائلا فى فتواه: ” إن شريعة الإسلام قد كرمت جسد الإنسان حيًّا وميِّتًا وحرمت الاعتداء عليه أو على أي عضو من أعضائه، كما حرمت بيع الإنسان لجزء من أجزاء جسده حيًّا كان أو ميِّتًا. ويرى بعض الفقهاء أنه يجوز شرعًا نقل عضو من أعضاء الميت إلى جسم الإنسان الحي إذا كان في ذلك إنقاذ لحياة المنقول إليه أو شفاؤه من مرض عضال وجواز النقل عندهم مشروط بالشروط الآتية:
– أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته بالمفارقة التامة للحياة موتًا كُليًّا، ويستحيل عودته للحياة مرة أخرى وذلك بشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول موقعة منهم.
– أن يكون النقل محققًا لمصلحة ضرورية لا بديل عنها للمنقول إليه.
– أن يكون الميت المنقول منه قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية دون إكراه مادي أو معنوي عالمًا بما يوصي به من جسده وبينهما درجة قرابة.
– ألا يؤدي نقل العضو إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال.
– إذا لم توجد وصية من الميت حال حياته فيجوز النقل بشرط موافقة الورثة الشرعيين المعتد بإذنهم بشرط ألا يكون ذلك بمقابل مادي أو معنوي.
كما يرون أن التبرع بعضو أو بجزء من إنسان حي لإنسان آخر مثله جائز شرعًا بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر بالغ بالشخص المتبرع، وأن يترتب على ذلك إنقاذ لحياة المتبرع له، أو إنقاذ حياته من داء عضال تطبيقًا للقاعدة الفقهية: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
الشرع ونقل الاعضاء التناسلية.
أشار شيخ الأزهر فى فتواه السابقة إلى أنه من شروط نقل الأعضاء البشرية، ألا يؤدى ذلك إلى اختلاط الأنساب بأى حال من الأحوال، وفى هذا الصدد أصدر الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية سابقا فتوى تفصيلية، يشرح فيها رأى الدين حول نقل الأعضاء التناسلية التى قد تؤدى إلى اختلاط الأنساب، وجاءت فتواه حاسمة قاطعة بعدم جواز نقل الأعضاء التى تتسبب فى اختلاط الأنساب من الناحية الشرعية، فهى محرمة حرمانية مطلقة وقال فى رده حول نقل خصية من شخص لآخر: “لا يجوز شرعًا زرع الخصية من شخصٍ في آخر ولو كان قريبًا من الدرجة الأولى؛ لأنها تستمر في حمل وإفراز الشفرة الوراثية لصاحبها حتى بعد زرعها في غيره، وهذا يُفضِي إلى اختلاط الأنساب”.
مواد القانون ..
بعد استعراض رأى الدين، وحكم الشرع فى نقل وزراعة الأعضاء البشرية، كان لا بد من إلقاء الضوء على القوانين المنظمة لتلك العملية، ويعد القانون رقم “5” لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية، أهم القانون المعمول به فى مصر حاليا فى مصر، وإن كانت قد جرت حوله مناقشات مكثفة فى مجلس النواب السابق برئاسة المستشار على عبد العال.. والقانون مكون من 4 فصول ويضم 28 مادة، فى الفصل الأول وضع أحكاما عاما تنظم عملية زراعة الأعضاء البشرية، وجميعها مستمدة من الرأى الشرعي فى تلك المسألة، وحظرت المادة الثالثة منه عملية نقل وزراعة الأعضاء البشرية من المصريين إلى الأجانب، باستثناء الزوجين وبشروط خاصة. وحظر القانون كافة أشكال التعامل مع الأعضاء أو الأنسجة او الخلايا البشرية باعتبارها سلعة تباع وتشترى.
وفى الفصل الثاني تناول القانون المنشآت الطبية المصرح لها بإجراء عمليات زرع الأعضاء، والقواعد المنظمة لذلك وشروط حصولها على التراخيص الخاصة بإجراء تلك العمليات، والتي يتم تحديدها من قبل لجنة خاصة هى اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشرية.. وتناول الفصل الثالث من القانون إجراءات زراعة الأعضاء البشرية والقواعد المنظمة لها.. أما الفصل الرابع والأخير من القانون، فقد تضمن العقوبات التي تقع على المخالفين لأحكامه.
تقنيات وثورة علمية كبيرة.
شهد العلم الحديث تطورا كبيرا خصوصا فى مجال الطب والجراحات الدقيقة، وقد انعكس ذلك بشكل كبير على جراحات نقل الأعضاء البشرية، والتى أصبحت تجرى بسهولة فى العديد من المستشفيات ذات الإمكانات الخاصة، وقد ساهم هذا التطور خصوصا فى الأجهزة والمعدات والتقنيات، فى مضاعفة أعداد عمليات زراعة الأعضاء، فضلا عن إدخال أعضاء جديدة لم تكن صالحة للنقل أو الزراعة قديما. ومن أهم الأعضاء القابلة للنقل والزراعة والتى تجرى عملياتها على نطاق واسع: الكلى، والكبد، والبنكرياس، والرئة، وقرنية العين، والقلب. بالإضافة إلى عمليات نقل وزراعة الخلايا والأنسجة.
أيضا تعكف العديد من المراكز البحثية الكبرى على مستوى العالم خصوصا فى الولايات المتحدة الأمريكية، على تطوير تقنيات متطورة للغاية، تهدف إلى الاستفادة من عمليات استنساخ الخلايا، فى إنتاج أعضاء بشرية كاملة داخل المعامل، فمثلا تتم زراعة خلية أو نسيج من كبد المريض فى وسط معين، وتوفير له كافة ظروف الانقسام والاستنساخ، بحيث ينمو النسيج مكونا عضوا كاملا يمكن زراعته فى جسد المريض، دون الحاجة لمتبرع. ومن المتوقع أن تحدث هذه التقنيات ثورة ضخمة فى علاج الأمراض المستعصية.